حريّة التعبير في قانون المطبوعات

ينظّم قانون المطبوعات عمل كلّ وسيلة تنشر معلوماتها ورقيًّا ويحدّد نظامها وإطارها القانوني. وقد حرص المشترع في هذا القانون على تحصين السلطة العامّة (أي السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة) من توجيه أيّ اتّهام أو استفهام أو اعتراض أو تعبير غاضب أو يائس تجاه ممارسات وسياسات هذه السلطة. ولقد تكرّست هذه الحصانة في الحدود التي رسمها القانون من خلال فصول وموادّ عديدة نعرضها أدناه بطريقة مختصرة ومبسّطة أكثر.

 

الأخبار الكاذبة أو الخاطئة

إذا نشرت إحدى المطبوعات أخبارًا كاذبة أو خاطئة فهي ملزمة بنشر الردّ، التصحيح أو التكذيب.

إذا نشرت إحدى المطبوعات أخبارًا كاذبة تؤثّر سلبًا على السلام العام فالعقوبة حتمًا الحبس أو الغرامة الماليّة أو إحدى العقوبتين.

إذا نشرت إحدى المطبوعات أخبارًا كاذبة تتعلّق بأشخاص طبيعيّين (أفراد عاديّين) أو معنويّين (الدولة – الهيئات – الشركات – الأوقاف – الجمعيّات – المؤسّسات…)، من دون التأثير سلبًا على السلام العام، تصبح الملاحقة القانونيّة مرتبطة بشكوى المتضرّر.

العقوبة الحبس والغرامة الماليّة أو إحدى العقوبتين.

ما هو السلام العام؟

السلام العام في الدولة هو حالة انتفاء الحرب، وحالة انتفاء الصراع بين فئات المجتمع. والمقصود بالأخبار التي تُنشر ومن شأنها التأثير سلبًا على السلام العام هي الأخبار التي يمكن أن تؤدّي إلى حالة الخوف والعنف والانتقام في الدولة.

ولكنّ السلام العام يأتي نتيجة العدالة الاجتماعية التي تكرّسها وتثبّتها دولة القانون التي تحترم الحريّات والاختلاف وحقوق الإنسان.

الردّ والتصحيح

إذا نشرت المطبوعة مقالًا أو خبرًا كاذبًا مرتبطًا بالمصلحة العامّة، يطلب وزير الإعلام من المدير المسؤول نشر التصحيح أو التكذيب تحت طائلة العقوبة ونشر التصحيح:

  • مجّانًا
  • في العدد الذي يلي تاريخ تسلّم طلب الوزير.

وفي حال رفض المدير المسؤول نشر التصحيح أو التكذيب، فالعقوبة:

  • الحبس والغرامة الماليّة
  • إحدى العقوبتين
  • نشر التصحيح أو التكذيب.

وفي حال رفض الحكم القضائي، تُضاعَف العقوبة مع تعطيل (توقيف المطبوعة) مدّة شهرين.

أمّا إذا نشرت المطبوعة خبرًا أو مقالًا فيه إشارة أو تلميح إلى شخص معيّن فلهذا الشخص حقّ الرد تحت طائلة العقوبة من غرامة ماليّة وملاحقة قضائيّة.

ما هي المصلحة العامّة؟

المصلحة العامّة هي فكرة مطاطيّة تُلحظ في القوانين ولا تُعرَّف تعريفًا واضحًا محدّدًا. وهي فكرة متغيّرة وغير ثابتة، متروك أمر تحديدها لاستنسابيّة القاضي الإداري، ومشروعيّة القرار الإداري مرتبطة بملاءمة القرار مع مفهوم المصلحة العامّة.

وإذا كان لا بدّ من تحديد أو تفسير المصلحة العامّة، فهي يجب أن تراعي العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة ومبدأ المساواة وعدم التمييز بسبب الجنس أو الدين أو اللون أو الرأي.

في ما يُحظّر نشره

لا يحقّ للمطبوعات أن تنشر:

  • التحقيقات الجنائيّة والجناحيّة إذا لم تعلن في جلسات علنيّة
  • المحاكمات السريّة
  • محاكمات الأحوال الشخصيّة
  • وقائع جلسات مجلس الوزراء السريّة
  • وقائع جلسات المجلس النيابي أو اللجان النيابيّة السريّة
  • وقائع تحقيقات إدارة التفتيش المركزي والتفتيش العدلي
  • رسائل وأوراق وملفات الإدارات العامّة والمكتوب عليها عبارة “سريّ”
  • وقائع الدعاوى الحقوقيّة التي تمنع المحكمة نشرها
  • التقارير والكتب والرسائل والمقالات والصور والأنباء المخالفة للأخلاق والآداب العامة.

كلّ مخالفة لهذه الأحكام يعاقَب عليها بالغرامات الماليّة.

كما لا يحقّ لمطبوعة غير سياسيّة أن تنشر موادًّا ذات طابع سياسي. وعقوبة هذه المخالفة تتراوح بين الغرامة الماليّة وإلغاء ترخيص المطبوعة.

 

التهويل والشانتاج

كلّ من هدّد شخصًا بواسطة المطبوعات أو الإعلانات أو أيّ وسيلة نشر بفضح أمر ينال من كرامة وشرف الشخص أو أقاربه، بهدف تحقيق منفعة له أو لغيره.

العقوبة الحبس والغرامة الماليّة وتعويض للمتضرّر.

 

القدح والذمّ والتحقير

القدح والذمّ والتحقير من خلال المطبوعات يطبَّق عليها قانون العقوبات على أن تحدّد مدّة شكوى المتضرّر بثلاثة أشهر للمقيمين في لبنان وستّة أشهر للمقيمين خارج لبنان من تاريخ نشر الخبر.

ويطال القدح والذمّ بواسطة المطبوعات الأشخاص المعنويّين والطبيعيّين وتكون العقوبة الحبس والغرامة الماليّة أو إحدى العقوبتين.

المسّ بكرامة الرؤساء

إذا تعرّضت إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مسًّا بكرامته أو ذمًّا أو قدحًا أو تحقيرًا بحقّه أو بحقّ رئيس دولة أجنبية، تحرّكت دعوى الحقّ العام بدون شكوى المتضرّر.

وتكون العقوبة مصادرة أعداد المطبوعة والحبس والغرامة الماليّة أو إحدى العقوبتين.

 

في التعويض عن ارتكاب الجرائم وإثارة النعرات وتعريض سلامة الدولة

عن ارتكاب الجرائم

يعتبر تحريضًا كلّ كتابة يقصد منها الدعوى للإجرام أو التشويق إليه (التشجيع عليه).

إذًا كلّ من حرّض بواسطة النشر أو الإعلان في المطبوعة الصحفيّة وغيرها على ارتكاب جرم، يُعاقَب وفقًا لقانون العقوبات والتي تخضع المحرّض لعقوبة الجريمة بحدّ ذاتها.

عن إثارة النعرات وتعريض سلامة الدولة

تتعرّض المطبوعة لمصادرة أعدادها ويتعرّض المسؤول عنها إلى الحبس والغرامة الماليّة أو إحدى العقوبتين في حال نشرت ما تضمّن:

  • تحقيرًا لإحدى الديانات المعترف بها في البلاد
  • ما من شأنه إثارة النعرات الطائفيّة أو العنصريّة
  • ما من شأنه تعكير السلام العام
  • تعريض سلامة الدولة أو سيادتها أو وحدتها أو حدودها
  • تعريض علاقة لبنان الخارجيّة للمخاطر.

 

في المسؤوليّة عن جرائم المطبوعات

مسؤوليّة الجرائم المرتكبة بواسطة المطبوعات الصحفيّة تقع على:

  • المدير المسؤول وكاتب المقال كفاعلين أساسيّين وتطبَّق عليهما أحكام قانون العقوبات المتعلّقة بالاشتراك أو التدخّل الجرمي.
  • صاحب المطبوعة بصفته مسؤولًا مدنيًّا بالتضامن وذلك عن الحقوق الشخصيّة ونفقات المحاكمة.
  •  المؤلّف كفاعل أصلي
  •  الناشر كمتدخّل
  •  المسؤول عن المطبعة وصاحب المطبعة كمسؤول مدني معه إذا لم يعرف الكاتب أو الناشر.

ولا تقع على صاحب المطبوعة مسؤوليّة جزائيّة إلّا إذا ثبت تدخّله الفعلي في الجريمة المرتكبة.

أصحاب المطابع ودور النشر والتوزيع مسؤولون مدنيًّا عن الحقوق الشخصيّة ونفقات المحاكمة التي يحكم بها على الجهة المستخدمة لهم في قضايا المطبوعات.

إذا نشرت المطبوعة أقوالًا وتصاريح لنائب يتمتّع بالحصانة لا تنتقل هذه الحصانة لناشر هذه الأقوال والتصاريح أي لا تنتقل إلى المطبوعة أو صاحبها أو الناشر فيها، ويعاقب الأخير على فعل النشر إذا كان يخضع لجرائم المطبوعات لجهة النشر.

 

في أصول المحاكمات

لا يجوز التوقيف الاحتياطي في جميع جرائم المطبوعات، أي لا يتمّ توقيف الصحافي أو الناشر أو الكاتب أو المؤلّف بحجّة التوقيف الاحتياطي.

ما هو التوقيف الاحتياطي؟

هو إجراء مانع من الحريّة الفرديّة، له طابع استثنائي يتمّ اللجوء إليه قبل صدور حكم الإدانة وفي ظلّ قرينة البراءة من قبل السلطات القضائيّة، وبقرار منها لإحالة من تتوفّر فيه شبهات جديّة بارتكاب الجرم أمام القضاء المختصّ. واعتبر هذا التوقيف إجراءً يحدّ من حريّة الإنسان في حين أنّ هذه الحريّة هي المبدأ السامي الذي يرعى حياة الإنسان في المجتمع.

فحجز الحريّة الفرديّة لا يتناقض فقط مع قرينة البراءة والحريّة الشخصيّة، بل يمتدّ ليطال حقوقًا أساسيّة أخرى كحريّة التنقّل والتحرّك وحريّة الكلام والحقّ في المحاكمة العادلة وحتّى الحقّ في الحياة والسلامة الجسديّة.

لا تنظر محكمة البداية بالقضايا المتعلّقة بجرائم المطبوعات بل تنظر بها منذ اللحظة الأولى محكمة الاستئناف.

ويمكن مراجعة أحكام محكمة الاستئناف أمام محكمة التمييز بصفتها مرجعًا استئنافيًّا.

 

نشر الأحكام

يمكن للمحكمة التي أصدرت الحكم أن:

  • تنشر الحكم ذاته في المطبوعة مجّانًا وبكامله أو خلاصة عنه في العدد الأوّل الذي يصدر بعد تبليغ الحكم.
  • في المكان ذاته الذي نشر فيه المقال موضوع الدعوى وبالأحرف ذاتها.
  • أن تقوم بالوقت ذاته بنشر الحكم في ثلاث صحف على نفقة المحكوم عليه وبأجر الإعلانات العاديّة.