في الدولة المسطّحة لا مكان للإختلاف!

ما شهده لبنان في 30 تموز 2019 يشكّل ضربة قاسية لدولة القانون والمؤسسات ويُنبئ بتشريع ممارسات بعيدة كل البعد عن الدستور والمواثيق الدولية الملتزم بها لبنان.

إنّ إلغاء حفل مشروع ليلى على خلفية المسّ بالشعور الديني وإستعمال لغة التهديد بالقتل وعبارة “لن تمرّ” من قبل جهات دينية وطائفية يحولنا الى دولة دينية لا مدنية ويذكّرنا بمحاكمة عالم الفلك والفيلسوف والفيزيائي الايطالي غاليليو غاليلي من قبل محاكم التفتيش الكنسية الرومانية بتهمة الهرطقة كونه أثبت أنّ الأرض في الواقع تدور حول الشمس. وإعتبر بعض المؤرخين أنّ محاكمة غاليلي كان لها دوافع سياسية لا دوافع دينية تماما كما حصل مع لجنة مهرجانات جبيل الدولية التي إنصاعت لمشيئة الأحزاب المتطرفة وجيوشها الالكترونية المتسلحّة بمفاهيم مسطّحة مثل العنصرية والتعصّب وإراقة الدماء.

غاليليو غاليلي أمام محاكم التفتيش الرومانية عام 1633

إنّ العنصرية تتجلّى في نهج هذه الأحزاب وكأنّ حبّ الوطن يقوم على كره الآخر وازدرائه وكأنّ الحقوق تؤخذ عبر ملئ الجيوب من المال العام والمحاصصة الطائفية الكريهة.

إنّ دولة القانون لن تقوم الا بتكاتف كل الفئات المهمّشة والمستضعفة والمظلومة من نساء يُسلبن أولادهن الى عاملات المنازل اللواتي يُحرمن من أبسط حقوقهن، الى اللاجئين السوريين والفلسطيين المحرومين من حق العودة الى أواطنهم وتريد الدولة أن تشملهم بقانون العمالة الأجنبية الذي لا يُطبّق على اللاجئ أساساً، الى المثليين الذين يعاقبون في دولة ما زالت تُجرّم المثلية إجتماعياً ودينياً.

إنّ هذه المنظومة التي شرّعت المحاكم الشعبية وغيّبت دور القضاء المستقل الحامي للحريّات الذي يصون الدستور والذي أصبح في معظم الاحيان أداة بيد المتطرّفين اللاهثين وراء السلطة والصفقات حاملين شعارات استرجاع الحقوق المهدورة مقوّضين الحريّات لتغطية فسادهم معرقلين تطبيق قانون الحق بالوصول الى المعلومات وإنشاء هيئة مكافحة الفساد لغرف المزيد من مال الشعب وعبر إيهامه بأنّهم يمثلونه أفضل تمثيل.

إنّ حجر الأساس في قيام دولة القانون هو استقلالية القضاء ونزاهة القضاة وحيادهم ولن يتحقق ذلك الا عبر قانون يعزّز هذه الاستقلالية ويحميها من التدخلات السياسية ويحمي حرية التعبير والتجمّع وإنشاء الجمعيات. في زمن يتزايد فيه القمع يوماً بعد يوم نحن بأمسّ الحاجة الى قضاء يصون الحريّات ويطبّق ويفسّر القوانين بطريقة تتماشى ومفاهيم حقوق الانسان والاتفاقيات الدولية، وعلى العدالة أنّ تعيد الحقوق والحريّات الى الفئات الأضعف،  ولا يمكن ان تنمو دولة القانون دون عدالة اجتماعية وحرية ومساواة  في الحقوق الطبيعية بين كافة أفراد المجتمع.

المحامية ليال صقر

                                                                                

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*